لم يترك الرئيس الأميركي دونالد ترامب حرباً إلا خاضها منذ توليه منصبه، والهدف النهائي له هو تحقيق شعاره الانتخابي "أميركا أولا"، عبر إدخال مزيد من الاستثمارات والأموال لبلاده، وخفض معدل التضخم والأسعار وتكلفة الإنتاج بالنسبة للشركات، وتوفير مزيد من فرص العمل، وزيادة معدل النمو الاقتصادي، وبالتالي الحصول على أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ترامب ابتز السعودية في العام 2017 وحصد منها مئات المليارات من الدولارات في صفقات سلاح واستثمارات مباشرة تم تحويلها لبلاده حيث تم ضخها في شرايين الاقتصاد الأميركي، ولا يزال يواصل ابتزازه وهجومه على المملكة طالبا منها سداد كلفة حمايتها.
وترامب يبتز منطقة الخليج بالكامل، ويفرض عليها سد ثغرة اختفاء صادرات النفط الإيراني من الأسواق الدولية والعمل على خفض أسعار النفط حتى لا ترتفع تكلفة شراء الوقود على المواطن الأميركي، رغم أن استجابة دول الخليج لهذا الابتزاز تتناقض تماما مع مصالح هذه الدول الاقتصادية التي كان من الممكن أن تحصد مليارات الدولارات في حال زيادة أسعار النفط.
كما يشن ترامب حربا اقتصادية شرسة على إيران بسبب عدم خضوعه لابتزازاته المستمرة والمتعلقة بالملف النووي، حيث فرض عليها عقوبات واسعة شملت حظر تصدير النفط الإيراني ومعاقبة مستورديه، وكذا فرض عقوبات اقتصادية على قطاعات مهمة منها الطيران والبنوك، وحديثاً المعادن والذهب والبتروكيماويات، وحظر استخدامها شبكة التحويلات الدولية "السويفت".
على المستوى الاقتصادي أيضا خاض ترامب حروبا شرسة حتى ضد شركائه التجاريين، وفي مقدمتهم اليابان والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، وخاض حربا أكثر شراسة ضد مؤسسات اقتصادية عالمية كبرى، منها أوبك ومنظمة التجارة العالمية.
عندما اختلف مع تركيا حول ملفات عدة، منها سورية والقس الأميركي أندرو برونسون، شن عقوبات شرسة ضد الاقتصاد التركي وعملته الليرة، وبعدها بشهور خرج وقال إن أردوغان صديقه وإن الاقتصاد التركي قوي. كما تم الإعلان في وقت لاحق عن أن حجم التجارة بين تركيا والولايات المتحدة سيصل إلى 75 مليار دولار مع توقيع اتفاقية التجارة الحرة وإلغاء القواعد التنظيمية والتعريفات الجمركية بين البلدين.
ومن وقت لآخر يهدد ترامب الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية على السيارات الأوروبية التي تستوردها بلاده خاصة السيارات الألمانية في حال عدم تمكّنه من التوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي. بل وفرض ترامب رسوما على واردات أوروبية أبرزها الصلب والألمونيوم، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض رسوما جمركية بنسبة 25 بالمئة على واردات من الولايات المتحدة بقيمة 2.8 مليار دولار في رد انتقامي على الرسوم الأمريكية.
لكن أعنف معارك ترامب على الإطلاق هي الحرب التجارية التي يشنها ضد الصين صاحبة ثاني أكبر وأقوى اقتصاد عالمي، حيث رفع الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الصينية من 10% إلى 25%.
ترامب يمسك في يده بمدفع يضرب به في كل اتجاه لقتل منافسيه وشركائه التجاريين، ولا يعرف أن طلقة في صخرة قوية قد ترتد عليه وتوجعه وتلحق به خسائ، وهو ما حدث بالفعل، فقطاعات أميركية بدأت تعاني من حربه التجارية المسعورة مثل الصناعة والزراعة.
والدليل ما كشفه تقرير تجاري أميركي قبل أيام من أنه إذا استمرت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين لعشر سنوات مقبلة، فإن إجمالي خسائر الاقتصاد الأميركي جراء هذه الحرب ستصل إلى نحو تريليون دولار. وأنه خلال السنوات الخمس المقبلة على تطبيق الرسوم الجمركية، سينخفض متوسط إجمالي الناتج المحلي الأميركي بما يتراوح بين 64 و91 مليار دولار (0.3-0.5%).
ترامب تاجر مبتز، تحقيق الأرباح وحصد الصفقات عنده يعني إلحاق خسائر بالآخرين وتدمير المنافسين، هو تاجر عقارات يريد أن يبيع كل ما في مخزونه من أراض وعقارات ووحدات سكنية وإدارية وفندقية، وإذا رفض أحد الصفقة أو تراجع عنها فقد يلقيه من أعلى مكان في الفندق الذي يمتلكه.
ترامب يدمر الاقتصاد العالمي الذي بات على موعد مع أزمة مالية جديدة بسبب رعونته والسياسات الخرقاء التي يمارسها، والتي ستؤدي حتما إلى حدوث ركود شديد في التجارة الدولية وبطء في تدفقات الأموال، وربما حرب عملات تسقط معها عملات الكثير من الدول الناشئة وذات الاقتصاديات الضعيفة.
عندما يحدث كل ذلك الدمار الاقتصادي سيسارع ترامب ويشرب نخب انتصاره قصير الأجل وربما يطلق النار على رأسه.