لم يترك الغلاء للتونسيين خيارات غذائية كثيرة، حيث تتراجع من عام إلى آخر قائمة المواد المسحوبة من موائد الأسر التي باتت تكتفي بالحد الأدنى من مصادر البروتين والخضروات، بينما تراجع استهلاك اللحوم الحمراء إلى أدنى مستوياته فاسحا المجال أمام الأجزاء الرخيصة من الدجاج على غرار الأجنحة والقوانص وبعض أصناف الأسماك الزرقاء.
تترك الأزمات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى في تونس بصماتها على موائد الأسر، التي تضطر إلى تعديل كفة النفقات الغذائية وإعادة ترتيب أولوياتها بحسب الدخول المتاحة.
وسجّل استهلاك التونسيين من اللحوم الحمراء خلال السنوات الماضية تراجعا كبيرا بسبب الأسعار المرتفعة للحوم الضأن والبقر، حيث تكشف بيانات رسمية لمعهد الاستهلاك الحكومي أن استهلاك الفرد التونسي من اللحوم لا يتجاوز الـ9 كيلوغرامات سنويا مقابل معدل عالمي لا يقل عن 43 كلغ للفرد سنويا وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة.
ويقول صاحب المجزرة مهدي الحمروني إن لحم الضأن بلغ أسعارا قياسية بمقاربته 40 دينارا (نحو 13 دولاراً)، مؤكداً أن استهلاك الأسر من لحوم الخرفان والأبقار تراجع بشكل كبير وأصبح شبه موسمي في مواسم الأعياد والأفراح.
وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه اختار تنويع العرض في دكانه، بإضافة ركن جديد لعرض مشتقات الدواجن كبديل أقل سعرا عن اللحوم.
لكنه أشار أيضا إلى أن أسعار الدواجن لم تعد في متناول الطبقات الفقيرة التي تكتفي بالأجزاء الرخيصة مثل القوانص والأجنحة، لافتا إلى أن القوانص وكبد الدجاج لم تكن ضمن قائمة معروضات التجار ولا كانت من عادات التونسيين الغذائية سابقا.
وبسبب الغلاء المتصاعد وتراجع دخول الأسر، أخذت علاقة التونسيين بالدواجن منحا جديدا تسارعت وتيرته هذا العام مع تسجيل أسعار لحوم الدجاج زيادة لا تقل عن 13,6 بالمائة في الفترة بين ديسمبر/كانون الأول 2021 وديسمبر 2022 وفقا للبيانات الرسمية لمعهد الإحصاء الحكومي.
ويساهم قطاع الدواجن بنسبة 12% في الإنتاج الزراعي و32% في الإنتاج الحيواني، إضافة إلى مساهمته في تغطية الحاجيات الاستهلاكية من اللحوم بنسبة تتراوح بين 50 و53%.
ومنذ تطوّر استهلاك الدواجن في ثمانينيات القرن الماضي، احتلت اللحوم البيضاء مراتب متقدمة في مصادر البروتين الحيواني في غذاء الأسر التونسية حتى غدت المصدر الرئيسي خلال السنوات الأخيرة، مع تراجع استهلاك اللحوم الحمراء والسمك لأسباب اقتصادية بالأساس.