هل يمكن إجراء إصلاح اقتصادي حقيقي في مصر ينهي الأزمات الحالية، وفي مقدمتها أزمات الدولار وغلاء الأسعار والمياه والإرهاب وغيرها، من دون إجراء إصلاح سياسي حقيقي؟
البعض قد يسارع ويقول: "نعم"، بل ويقترح آليات لإصلاح الاقتصاد يعددها في زيادة الإنتاج، وإعادة برنامج بيع شركات قطاع الأعمال العام، وهو ما يعرف ببرنامج الخصخصة، وبيع مزيد من الأراضي التابعة للدولة، وزيادة كفاءة الجهاز الإداري بالدولة، وترشيد الإنفاق العام، والحد من الواردات، وزيادة الصادرات، وإعادة الحياة لقطاعات حيوية مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية وقناة السويس وتحويلات المصريين العاملين بالخارج.
ويزيد آخرون على هذه الآليات التقليدية المطروحة المطالبة بمكافحة الفساد، والقضاء على البيروقراطية، وإنهاء احتكار رأس المال وسيطرة رجال الأعمال على القطاعات الاقتصادية، مع ضرورة توجه الحكومة للاقتراض من المؤسسات المالية الدولية، ومنها صندوق النقد والبنك الدوليان لسد عجز الموازنة العامة للدولة، وتغطية الفجوة التمويلية وبث الثقة في الأسواق والاقتصاد والعملة.
بل إن طرفاً ثالثاً يرى أن الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة حالياً كافية وتعالج الأزمات العنيفة القائمة بما فيها أزمتا الدولار والارتفاعات القياسية للأسعار، بشرط إعطاء الحكومة الفرصة والوقت الكافيين لتنفيذ هذه الاصلاحات، والتوقف عن مهاجمتها، حكومة واصلاحات، بشكل مستمر.
ويطالب هذا الطرف بمشاركة المصريين الحكومة في تحمل الأعباء الناجمة عن الإصلاحات الاقتصادية، "يعني الناس لازم تصبر شوية، وتشد الحزام وبلاش فشخرة وبذخ في الإنفاق، وتتوقف عن أكل اللحوم وتأكل بروتينات أخرى مثل الفول، ولا داعي لاستيراد الأثاث الإيطالي، فالأثاث الدمياطي أفضل وأقوى وأرخص".
والملفت هنا أن خطة الحكومة المطروحة لإصلاح الاقتصاد لا تلقى تشجيعا من رجل الشارع العادي، إذ إنها تعالج عجز الموازنة العامة للدولة على حساب المواطن، وتحابي الأغنياء على حساب الفقراء، وتعالج تفاقم الدين العام بزيادة الأسعار وخفض الدعم المقدم للسلع الضرورية لملايين المصريين.
كما تتضمن الخطة أيضا زيادة أسعار الكهرباء والمياه وتذاكر الطيران والمترو والقطارات، وكذا رفع أسعار الطاقة مثل البنزين والسولار والغاز.
وتتضمن خطة الحكومة للإصلاح الاقتصادي كذلك زيادة الضرائب، وفرض ضرائب جديدة مثل ضريبة القيمة المضافة وتخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار، مع اللجوء للمؤسسات المالية الدولية لاقتراض 21 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث القادمة، منها 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
لكن في تقديري فإن هذه الخطط وغيرها لن يكتب لها النجاح، لأنها تعالج ملف الاقتصاد بعيداً عن ملفي السياسة والأمن، كما أن المطالبين بفصل الملفين "الاقتصاد والسياسة" يتناسون أمرأ مهماً؛ هو أن إصلاح الاقتصاد في مصر يبدأ من الإصلاح السياسي.
وأن الذين يتحدثون عن إصلاح اقتصادي من دون إصلاح سياسي حقيقي يحرثون في البحر ولن يحصدوا نتائج تذكر، وأن إصلاح الملفين، يتطلب إزالة الآثار الناجمة عن انقلاب 3 يوليو، فهذا الانقلاب فتح الباب على مصراعيه أمام ظهور معظم الأزمات العنيفة التي مرت بها مصر، إن لم يكن كل الأزمات.
وغداً نكمل.