الحكم العثماني: دراما عربيّة بحسابات سياسية
مع بداية الموسم الرمضاني الحالي، بدأت بعض الفضائيات العربية بعرض مسلسل "حارة القبة"، وهو عمل سوري من صنف أعمال البيئة الشامية، من سيناريو للكاتب أسامة كوكش، وإخراج رشا شربتجي، وإنتاج شركة "عاج" لمالكها هاني العشى. العمل، وإن كان يحكي قصة متخيلة تدور ضمن مرحلة تاريخية باتت مطروقة كثيراً في الدراما السورية، ولا سيما في أعمال البيئة الشامية، وهي فترة الحكم العثماني لبلاد الشام، إلا أنه يتناول بالنقد والانتقاص الدولة العثمانية، بحسب صناع العمل والمشاركين فيه من نجوم وممثلين.
إلى جانب هذا العمل، كان المخرج الليث حجو قد بدأ بتصوير مشاهد مسلسل "سنوات الحب والرحيل"، الاسم البديل لـ"سفر برلك" الذي كان من المفترض أن يتشارك في إخراجه مع حاتم علي قبل رحيله، بمشاركة فنانين سوريين ولبنانيين ومصريين وخليجيين، وإنتاج MBC. يتناول العمل فترة "سفر برلك"، وهو النفير العام الذي صدرَ بأمرٍ سلطانيّ عثمانيّ عام 1914 عند دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى إلى جانب دول المحور.
ومن المتوقّع أن يثير العمل جدلاً واسعاً من قبل الإعلام والنقاد عند عرضه، إذ سيتناول العمل بالنقد فترة حكم الدولة العثمانية للبلاد العربية، بكونها كانت فترة احتلال لا سيطرة دولة على حماها.
سبق هذين العملين المسلسل الضخم "ممالك النار" الذي سلط الضوء على فترة سقوط دولة المماليك على يد العثمانيين، وشن هجوماً على الحكام العثمانيين، ما أثار جدلاً واسعاً على وسائل الإعلام، ولا سيما التركية منها. كل ذلك يشير إلى عودة الدراما العربية لشن الهجوم في أعمالها على حقبة الحكم العثماني للدول العربية، بالاستناد إلى الواقع السياسي الذي تشهده العلاقة العربية – التركية بعد اندلاع الربيع العربي، وتأييد تركيا له على المستوى السياسي، ما خلق حالة جديدة من العداء، أو فاقم سابقتها.
خلال الفترة الماضية، شهدت الدراما السورية والعربية عودة لتناول فترة الحكم العثماني بالهجوم والانتقاص، واليوم يُحضَّر لعملين ضخمين، هما "حارة القبة" و"سنوات الحب والرحيل". فما الذي دفع للعودة، هل الظروف السياسية الحالية التي يعيشها الإقليم تنعكس بشكل أو بآخر على خيارات صناع الدراما العرب؟ وتاريخياً، لا سيما في الدراما السورية، كان هناك تقلب في تناول تلك الحقبة بين تحسن العلاقات مع تركيا حيناً، وسوئها حيناً آخر. فأظهر "أيام شامية"، على سبيل المثال، الحكم العثماني على أنه جائر وظالم، في حين اختلف هذا التنميط مع تحسن العلاقات في أعمال تالية، كـ"أهل الراية" على سبيل المثال، وإن كان بشكل نسبي.
أدخل ذلك الدراما السورية، المعروفة بإتقان الأعمال ذات السياق التاريخي، بمشكلة التناقض أمام المتلقي، من دون تبرير منطقي لهذا التقلب بين فترة وأخرى.
وفي هذا السياق، يرى الناقد والصحافي راشد عيسى أن "الدراما التلفزيونية العربية كانت دائماً تحت سيطرة الحكومات، حتى الإنتاج الخاص منها، وبسبب من أثرها البالغ عند الجمهور، باتت الوسيلة الأكثر استخداماً لتوجيه الرسائل، ومن بينها رسائل وصلت حدّ التضارب". ويضيف في حديث مع "العربي الجديد" أنه "عندما يتعلق الأمر بعلاقات دولية مضطربة، ليس هنالك أوضح من علاقات بعض الدول العربية مع تركيا، فعندما تعكّرَ صفو الجوار أنتجت مسلسلات دُفعت عليها أموال طائلة تستنهض فترات تاريخية مظلمة، على الفور ذهب صناع الدراما إلى حقبة السفربرلك، وصنعوا منها (إخوة التراب) للكاتب حسن م. يوسف والمخرج نجدت أنزور، وهو المسلسل الذي استفز في حينه السلطات التركية، ولم تخف الأخيرة انزعاجها".
يشير عيسى، المطلع عن كثب على حركة الدراما السورية والعربية في العقود الثلاثة الماضية، إلى أنه "في حقبة لاحقة، وعندما تطيب العلاقات مع تركيا، ستتعهد شركات سورية بدبلجة عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية التركية، إلى حدّ أنك اليوم عندما تستمع إلى لهجة سورية صرتَ تتخيل مدينة كإسطنبول بدلاً من دمشق!"، مضيفاً أن "اليوم، الخلاف معلن وصريح بين المملكة العربية السعودية وتركيا، وكان متوقعاً أن تقف الدراما السعودية، مباشرة أو عبر وكلاء، على جبهة الحرب. وهذا مثلاً مسلسل (سنوات الحب والرحيل) تزجّ فيه المملكة مصريين وسوريين ولبنانيين إلى جانب سعوديين ليحاربوا تركيا".
ويتابع الناقد عيسى بأنه "إذا كان هذا الحال مع تركيا، فقد شغل الجار الأقرب، لبنان، كذلك حيزاً من الدراما التلفزيونية السورية، مسلسل (الهيبة) واحد من الأعمال التي لا تخفى فيها تلك العلاقة الشائكة بين البلدين. وهو عمل جمع ممثلين من البلدين، وتعاطى الجمهور مع بعض مشاهده كما لو أنها مباراة كرة قدم بين فريقين، وأن عليهم أن ينتصروا لبطلهم في مواجهة ممثل البلد الآخر".
ورغم أن مسلسل "أيام شامية"، الذي عرض عام 1992، كان باكورة الأعمال الدرامية التي تناولت حقبة الحكم العثماني بالهجوم، إلا أن مسلسل "إخوة التراب" عام 1996، كان واحداً من أكثر الأعمال التي هاجمت الحكم العثماني، ولا يزال مشهد "الخازوق" على سبيل المثال، عالقاً في أذهان الجيل الذي حضر المسلسل حينها إلى اليوم، وكرس فكرة الغطرسة العثمانية من خلال هذا المشهد وغيره من تفاصيل العمل، الذي عرض على جزأين، حينها كانت العلاقات السورية – التركية تعيش أسوأ حالاتها على الإطلاق، لدرجة أن الحرب كانت تقرع طبولها على حدود البلدين.