وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، معارضته الاستفتاء. وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن غوتيريس يعتقد أن القرار الأحادي بإجراء استفتاء الآن سيصرف الاهتمام عن الحرب ضد تنظيم "داعش"، وسيقوض أيضاً من عملية إعادة إعمار المناطق المستعادة من التنظيم والعودة الآمنة لملايين النازحين. وأعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أن استفتاء أكراد العراق غير مناسب، داعياً إلى محادثات بين بغداد وأربيل. في هذا الوقت، تستمرالحملات الكردية في الإقليم عبر تنظيم عمليات ترتيب مراكز الاقتراع وحشد المواطنين، فيما دخلت قوات البشمركة والأسايش حالة الإنذار القصوى اعتباراً من فجر أمس الإثنين وفقاً لمصادر حكومية عراقية وسياسية في بغداد وأربيل، أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس الإقليم استدعى متقاعدي البشمركة من كبار السن وغيرهم لرفد القوات الكردية التي دخلت حالة الاستنفار، ورفض في الوقت ذاته طروحات للاستعانة بمقاتلي حزب العمال الكردستاني أو بالفصائل الكردية الإيرانية المعارضة والموجودة قرب قلعة دزة غرب أربيل".
وتزايدت الضغوط على الأكراد مع إصدار المحكمة الاتحادية العليا في بغداد أمراً قضائياً بوقف كافة إجراءات الاستفتاء. وأعلنت المحكمة، في بيان، أنها أصدرت أمراً بتعليق إجراءات الاستفتاء، المنوي إجراؤه في 25 سبتمبر/أيلول الحالي، إلى حين حسم الدعاوى المقامة بعدم دستورية القرار المذكور. وكان مكتب رئيس الحكومة قد ذكر أن العبادي وجه طلباً إلى المحكمة الاتحادية بشأن عدم دستورية إجراء انفصال أي إقليم أو محافظة عن العراق، وكذلك لإصدار أمر ولائي بإيقاف إجراءات استفتاء انفصال إقليم كردستان، وبناء عليه وافقت المحكمة الاتحادية على الطلب. وأعلن مسؤولون أكراد رفض قرار المحكمة وعدم الالتزام به، بينما تعتزم قيادات الإقليم الخروج بموقف كردي موحد بشأن القرار، وسط مخاوف من التصعيد. وقال النائب عن التحالف الكردستاني، سعدي بيرة، في تصريح صحافي، إنّ "الإقليم لا يعترف بقرار المحكمة الاتحادية ولا قرارات البرلمان (العراقي) بشأن الاستفتاء"، مؤكداً أنّ "الاستفتاء ليس مسألة جنائية وإنّما داخلية". وقال القيادي في التحالف الكردستاني حمة أمين، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القيادات الكردية ترفض مبدئياً قرار العبادي، وهي ستعقد اجتماعاً لبحث هذه التطورات والإجراءات التي سيتخذها الإقليم لحل الأزمة". وأكد المتحدث باسم مفوضية انتخابات كردستان، شيروان زراري، مواصلة الاستعدادات لإجراء الاستفتاء، مشيراً، خلال مؤتمر صحافي، إلى تسجيل 64 مراقباً دولياً للإشراف على عملية الاستفتاء، فضلاً عن 11 كياناً سياسياً و65 مؤسسة إعلامية. ولفت إلى وصول 90 في المائة من المواد اللوجستية الخاصة بالاستفتاء حتى الآن، مؤكداً أن التصويت الخاص سيشمل القوات الأمنية والنازحين.
ودفع الإصرار الكردي على الاستفتاء بمقرر البرلمان العراقي، النائب التركماني نيازي معمار أوغلو، للتلويح بإجراءات صارمة ستتخذ في الأيام المقبلة لوقف ما وصفها بـ"المهزلة الكردية – الإسرائيلية". وردت القيادية في الحزب الديمقراطي الكردستاني النائبة أشواق الجاف، على معمار أوغلو، معتبرة أن ما صرح به أمر معيب، رافضة، ما وصفتها، بالتصريحات العبثية وغير المحسوبة التي بدأت تتزايد مع قرب موعد الاستفتاء. وقالت، في تصريح صحافي، "إننا حذرنا، وما زلنا نحذر، من الانجرار وراء الكلام الهابط الذي يبعث على الكراهية وإراقة الدماء"، معتبرة أن "زمن التهديد قد ولى". وفي السياق، وجه نائب رئيس برلمان إقليم كردستان، جعفر أمينكي، انتقاداً شديد اللهجة إلى نائب الرئيس العراقي، نوري المالكي، بشأن تصريحاته الأخيرة بخصوص الاستفتاء. وقال أمينكي، في بيان، إن "هذه الكلمات صدرت من شخص هو فريد في الدكتاتورية والفردية في تاريخ العراق، وهو مصدر كل محن ومآسي وويلات العراقيين". وأضاف "أما بالنسبة لإسرائيل فإنها لم تقتل من العرب ما قتله المالكي خلال سنين حكمه العجاف، فهو قطع أرزاق شعب كردستان، لكن إسرائيل لم تفعل شيئاً ضد كردستان"، مطالباً المالكي "ألا يتجاوز أكثر من ذلك" بحسب قوله. وكان نائب الرئيس العراقي، رئيس "ائتلاف دولة القانون"، نوري المالكي، كرر، أول من أمس، رفضه لإجراء استفتاء الانفصال في إقليم كردستان، محذراً من قيام إسرائيل جديدة في شمال العراق.
إلى ذلك، دعا عضو تحالف القوى، محمد عبد الله، القوى السياسية الكردية إلى التراجع عن إجراء الاستفتاء في موعده المحدد، مؤكداً، لـ"العربي الجديد"، أن إصرار رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، على الاستفتاء يسير بالبلاد نحو المجهول. وحذر من وصول الحال إلى مرحلة الصدام في ظل استمرار المواقف المتشنجة من قبل جميع الأطراف، داعياً للركون إلى طاولة الحوار. من جهته، انتقد عضو البرلمان العراقي السابق، محمود عثمان، خطابات التصعيد من قبل الأطراف المتناحرة، مطالباً، في حديث لـ"العربي الجديد"، بحل المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل، كالرواتب والمادة 140 وقانون النفط والغاز، وفقاً للدستور. ويتوجه اليوم الثلاثاء أو غداً الأربعاء وفد تفاوضي كردي إلى العاصمة العراقية بغداد، في محاولة للتوصل إلى حل وسط بشأن أزمة الاستفتاء، بحسب عضو في التحالف الوطني الحاكم قال، لـ"العربي الجديد"، إن قيادات "شيعية" مقربة من الحكومة العراقية وإقليم كردستان ترعى المفاوضات. وأشار إلى وجود حلول بديلة عن الاستفتاء ستطرح خلال المفاوضات، كالتمديد لرئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني لأربع سنوات أخرى، وتعهد الحكومة العراقية بدفع مستحقات ورواتب قوات البشمركة الكردية، وحسم المادة 140 من الدستور العراقي التي تنظم وضع المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، مؤكداً أن من بين العروض التي ستطرحها بغداد إقرار قانون النفط والغاز الذي يطالب به الأكراد، والعمل على تحقيق التوازن بين المكونات والقوميات والطوائف في مؤسسات الدولة العراقية. وأضاف أن "بغداد وافقت على تقديم حلول بديلة للاستفتاء لرئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، لكن ذلك لا يعني أنها لن تعود للتصعيد والتهديد إذا لم يوافق الإقليم على هذه الحلول"، مؤكداً أن رئيس "التحالف الوطني" الحاكم في العراق، عمار الحكيم، لعب دوراً بارزاً في مسألة الوساطة بين حكومتي بغداد وأربيل. وكان الحكيم أعلن، الأحد الماضي، أن الأيام الثلاثة المقبلة ستشهد مفاجآت متعلقة بالاستفتاء، من دون أن يفصح عن طبيعة تلك المفاجآت. وأكد مسؤول الملف الكردي في "التحالف الوطني"، عبد الله الزيدي، أن الوفد الكردي الذي سيصل قريباً إلى بغداد سيسمع اقتراحات تدفع باتجاه حل جميع المشاكل العالقة وفقاً للدستور.
وعلى الرغم من الحديث عن وساطات لحل الأزمة، إلا أن التهديدات والضغوط على إقليم كردستان ما تزال مستمرة، في ظل انقسام المواقف الكردية تجاه الاستفتاء والمناطق التي يجب أن يشملها. وقالت عضو البرلمان العراقي عن "حركة التغيير"، فاتكة أحمد، إنها ضد إجراء الاستفتاء في الوقت الحاضر، مؤكدة، خلال مقابلة متلفزة، أن "الحوار واللجوء للدستور أفضل من التصعيد، سواء كان من قبل حكومة كردستان أو الحكومة العراقية". وأشارت إلى أن رئيس إقليم كردستان اتخذ قرار إجراء الاستفتاء من دون العودة إلى "حركة التغيير"، وكذلك الحال بالنسبة إلى الحكومة الاتحادية في بغداد، التي صعّدت الموقف من دون العودة إلى "التغيير"، لافتة إلى أن "حركة التغيير" سبق أن طلبت من حكومة إقليم كردستان تأجيل الاستفتاء، لكن طلبها لم يُلب. وفي السياق، أكد عضو البرلمان العراقي عن "التحالف الوطني" الحاكم، حيدر المولى، وجود رغبة لدى "الاتحاد الوطني الكردستاني" بعدم شمول محافظة كركوك باستفتاء الانفصال، مبيناً، خلال تصريح صحافي، أن موقفاً بهذا الشأن سيصدر خلال اليومين المقبلين.
في غضون ذلك، بدا ما قيل إنه عرض وساطة سعودية بين بغداد وأربيل حول الاستفتاء، مجرد قنبلة إعلامية، إذ بقي إعلان رئاسة الإقليم الكردي يوم الأحد، أن السعودية أبدت استعدادا للتوسط وتهيئة الأجواء لإجراء حوار، يتيماً، من دون أن تظهر أي من الملامح حول شكل هذه الوساطة المفترضة أو مضمونها. حتى أن الرياض لم تؤكد ما جاء في بيان الرئاسة الكردية حيال تقديم وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، عرض الوساطة للبارزاني.