تحسين صورة
واحدة من الشائعات التي أُطلقت بقصد تشويه الصورة ضد رئيس البرلمان العراقي السابق محمد الحلبوسي، تعاقده مع شركة "BGR" الأميركية مدّة عام، وبقيمة عقد تبلغ 600 ألف دولار لتوفير العلاقات الحكومية والخدمات السياسية والتواصل مع مسؤولين في واشنطن لصالح حزبه. وجاءت صيغة الاتهام بربط اسم الحلبوسي مع اسم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، الذي عمل مستشاراً في هذه الشركة لفترة.
بعد تراجع زوبعة الاتهام وتشويه الصورة، ونجاح الحلبوسي في الحفاظ على موقعه فاعلاً سياسياً سنيّاً أساسياً، خصوصاً بعد فوز حزبه في انتخابات مجالس المحافظات في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، جرى نسيان هذه القصة، لتطفو لاحقاً قصصٌ مشابهةٌ عن قيام شخصيات عراقية أخرى، رسمية وفاعلة في الحكومة العراقية، بعمل مشابه؛ التعاقد مع شركات علاقات عامة في أميركا مقابل مبالغ كبيرة لترويج العراق في أميركا و"تحسين" صورة الحكومة العراقية لدى دوائر القرار الأميركي.
ومثلما هو متوقّع، استثمر مناوئون ومعارضون للحكومة الحالية وأحزابها هذه القصة في نقد الحكومة العراقية، وبحث معلّقون على مواقع التواصل الاجتماعي عن الصلات مع شخصيات إسرائيلية أيضاً، لزيادة صورة الاتهام.
في كلّ الأحوال، ما لم يتم توثيق شبهات فساد مالي في هذه التعاملات، فإن تداولها لا يعدو حدود التنابز السياسي، ومحاولات التسقيط بين الأطراف السياسية المتصارعة، لأن اللجوء إلى شركات علاقات عامة لـ"تحسين الصورة" شائعٌ ومعروف، ويجري تحت الضوء، ووفق قوانين الدول التي تنتسب إليها هذه الشركات.
في الصورة الأوسع للموضوع؛ الأحزاب الكبيرة في الحكومة العراقية مشغولة في ما يبدو بتحسين صورتها في المجتمع الدولي، وبالتحديد صورتها مع الفاعل السياسي الأميركي، لما له من تأثير حاسم على ملفاتٍ عديدةٍ مرتبطة بالعراق اقتصادياً وأمنياً. ويفترض تحسين الصورة وجود "تهديد" من عوامل تشوّه الصورة، وهي في الحقيقة كثيرة وطاغية على المشهد بما لا يحتاج إلى دليل، ولعل أبرزها، وهذا ما تحاول هذه الأحزاب الالتفاف عليه بتحسين الصورة، أن الصورة بشكلها العام ليست جيّدة، ولن تنفع معها محاولات تحسين الصورة!
ما يتوقّعه المجتمع الدولي وجود حكومة عراقية منبثقة عن برلمان انتخبه الشعب العراقي بكلّ حرية، وهذه الحكومة تفرض سطوتها، المؤطّرة بسلطة الدستور والقانون، على كل مناحي الحياة، الأمنية والاقتصادية وغيرها. لكن واقع الحال يقول إن الحكومة، الحالية والسابقات عليها، ما زالت تعاني من ضعفٍ شديد في فرض سطوتها، وتشاركها القرارات المصيرية التي تتحكّم بمستقبل العراق ووضعه العام، سلطات متعدّدة، تحمل السلاح وتلعب في الحياة العراقية على هواها، ترهب وتهجّر وتقتل، وتطلق الصواريخ يميناً وشمالاً.
تطفو على وسائل الإعلام ومواقع التواصل بشكل معتاد حوادث إطلاق نيران أو قتل، ويختلط في هذه الحوادث البعد الجنائي مع السياسي مع المشكلات العشائرية والثارات الشخصية، من دون حدود فاصلة واضحة، وقد شهدت الأسابيع الماضية حوادث اغتيالٍ لشخصية من أقارب رئيس كتلة الفتح هادي العامري، وقتل لناشط صدري في محافظة بابل، فجّرت أزمة كبيرة تلافى آثارها زعيم التيار الصدري بقرار حاسم بعدم التصعيد. وفي الوقت الذي افتتحت فيه شخصيات رسمية معرض العراق للكتاب، وهو من أكبر الفعاليات الثقافية السنوية، تعرّضت في المساء نفسه السيارة الشخصية لمدير هذا المعرض ومؤسّسه فخري كريم إلى إطلاقات نارية بالقرب من المنطقة الخضراء الحساسة أمنياً.
وتنتشر في ساحات بغداد وشوارعها بوسترات كبيرة لفصائل تنتسب للمقاومة تهدّد وتتوعد الأعداء بشكل غامض ومن دون تحديد... هذا كله بالرغم من أن الحكومة تحاول إبعاد نفسها عن هذه التيارات المتطرّفة، وتحاول إقناع الفاعل السياسي الأميركي بدعمها. لكنها تفشل في رفع هذه البوسترات المقلقة للجمهور العام، أو حتى الاعتراض على عمل هذه الفصائل.